تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس 2024
تحديث حول فجوة العدالة وفهم أعمق لتطوّر المشاكل القانونيّة
November, 2024
Problems
Find out how specific justice problems impact people, how their justice journeys look like, and more.
تحديث حول فجوة العدالة وفهم أعمق لتطوّر المشاكل القانونيّة
November, 2024
Photo by: Tolu Owoeye, via Shutterstock
أطلق معهد لاهاي للابتكار القانونيّ في مارس 2023، تقريره حول ” تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس 2023″ (Justice Needs and Satisfaction (JNS) Tunisia 2023) استنادًا إلى مقابلات شملت عينة عشوائية متكونة من5008 تونسيّ من جميع أنحاء البلاد.
يقدّم التّقرير صورة فريدة من نوعها تركّز على العدالة المتمحورة حول الانسان، ويُظهر أنّ ما يقارب من واحد من كلّ ثلاثة تونسيّين بالغين يواجه مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر كلّ عام، وأنّ عددا قليلا جدّا فقط من هذه المشاكل يتمّ حلّها بشكل مرضٍ. كما لا تصل سوى نسبة ضئيلة من هذه المشاكل إلى نظام العدالة الرّسميّ. وعليه، يسلّط التّقرير الضّوء على حجم فجوة العدالة في تونس، ويدعو إلى العمل على تنفيذ سياسات العدالة المتمحورة حول الانسان.
ماذا حدث للأشخاص الذين قابلناهم خلال مرحلة جمع البيانات الأولى؟ هل توصلوا إلى حل المشاكل القانونيّة التي كانوا يواجهونها في ذلك الوقت؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل تمكّنوا من المضيّ قدمًا في حياتهم بعد أن تمكّنوا من حلّ أخطر مشاكلهم؟ أم واجهوا مشاكل قانونيّة جديدة؟
ولكي نجد إجابات عن هذه الأسئلة، اتّصل فريق من الباحثين في شهر جانفي 2024 بنفس الأشخاص الذين أجرينا معهم المقابلات في إطار مسح “احتياجات العدالة ودرجة الرّضا (JNS)” في تونس 2023. وقد تمكنّا خلال هاته السّنة الثّانية من إجراء مقابلات مع 2548 شخصًا، أو حوالي 65٪ من الأشخاص الذين شاركوا أرقام هواتفهم خلال موجة المقابلات الأولى. ولمزيد من التّفاصيل حول المنهجيّة ومجموعة المستجوبين، انقر هنا.
أجريت الجولة الأولى من المقابلات التي تمّ القيام بها في سياق هذه الدّراسة في شهري أكتوبر ونوفمبر 2023. وقد استفاد تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا (JNS) في تونس من هذه المقابلات بشكل كبير، وهو يقدّم شرحًا تفصيليا للمنهجيّة الكاملة وللمستجوبين في المرحلة الأولى… وقد أجرى الباحثون التّابعون لمكتب “المقابلات الفرديّة للأبحاث واستطلاعات الرّأي ” (One to One for Research and Polling) في ذلك الوقت، مقابلات مع 5008 من التّونسيّين البالغين في 24 ولاية. ووافق حوالي 78٪ منهم (3906 شخصًا) على مشاركة معلومات الاتّصال بهم من أجل التّواصل معهم لإجراء مقابلة متابعة (follow-up interview) بعد عام واح.
وبعد أكثر من عام بقليل، اتّصلنا بأولئك الأشخاص عبر الهاتف لمعرفة التّطوّرات التي طرأت على مشاكلهم القانونيّة، وما إذا كانوا قد واجهوا أيّة مشاكل قانونيّة جديدة منذ وقت إجراء المقابلة الأولى. وقد تمكنا من الاتّصال بـ 2548 لإجراء المقابلة الثّانية (حوالي 65٪) من بين 3906 شخصًا شاركوا معلومات الاتّصال بهم.
هناك بعض الاختلافات الدّيموغرافيّة الصّغيرة بين الأشخاص الذين وقع استجوابهم للمرة الثانية وأولئك الذين انسحبوا من الدّراسة. حيث نجد، على وجه الخصوص، أنّ الرّجال والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عامًا والأشخاص والذين أكملوا التّعليم الثّانوي على الأقلّ، يتمتّعون بمعدّل انضباط أعلى. ومن ناحية أخرى، لا توجد فروق عندما يتعلّق الأمر بالمناطق الرّيفيّة والحضريّة أو الوضع الماليّ للأشخاص. يمكن القول إنّ الأشخاص المعاد استجوابهم هم على الأرجح من قاموا بالإبلاغ عن مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر في المقابلة الأولى، وهو أمر إيجابيّ لهدفنا المتمثّل في تتبّع تطوّر المشاكل القانونيّة بمرور الوقت. وبشكل عامّ، نحن على ثقة من أنّ العيّنة تظل ممثّلة للسّكان البالغين التّونسيّين.
وبما أنّ المقابلات خلال السنة الثّانية كانت تُجرى عبر الهاتف ولم تكن مباشرة، فقد كان علينا تكييف منهجيّتنا في مجالات معيّنة. ومن ذلك، أنّنا قمنا على وجه الخصوص، خلال المقابلة الأولى، باستخدام بطاقة عرض تسرد أكثر من مائة مشكلة قانونيّة يمكن للأشخاص استخدامها لتحديد ما إذا كانوا قد واجهوا أيّا منها في العام السّابق. ومن الواضح أنّ هذا النّهج لم يكن خيارًا للمقابلات التي تُجرى عبر الهاتف. وبدلاً من ذلك، سألنا عن فئات أوسع من المشاكل ثم حاولنا تحديد المشكلة التي واجهها شخص ما على وجه التّحديد. وقد يكون من المحتمل أنّ لهذا الاختيار المنهجيّ بعض التّأثير على نتائج الجولة الثّانية من المشروع.
وفي ديسمبر 2024، نتوقّع إجراء جولة المقابلات الثّالثة والأخيرة للمشروع.
توفّر التّجارب التي تمّ التّوصّل إليها خلال الجولة الثّانية من جمع البيانات رؤى جديدة، لكنّها تؤكّد في النّهاية ما خلص إليه التّقرير الاول لسنة 2023 وهو أنّ العمل كالمعتاد لا يكفي لسدّ فجوة العدالة في تونس. وبدلاً من ذلك، هناك حاجة إلى تحوّل يعطي الأولويّة للإنسان من خلال نهج للعدالة متمحور حول النّاس.
أظهرت دراسة احتياجات العدالة ودرجة الرضا عنها في تونس لسنة 2023 أنّ حوالي 31٪ من البالغين التّونسيّين واجهوا مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر في العام الماضي، حيث واجه العديد من الأشخاص مشاكل متعدّدة. وتمّ حلّ حوالي 23٪ من هذه المشاكل إمّا جزئيّا أو كليّا، وتمّ اعتبار حوالي 48٪ من هذه الحلول عادلة أو عادلة جدّا.
ما يقارب 45٪ من جميع المشاكل القانونيّة لا تزال في طور البحث عن الحلّ، بينما تمّ التّخلّي عن 32٪، ممّا يعني أنّ النّاس إمّا توقّفوا عن إيجاد حلّ لمشكلتهم القانونية أو انهم لم يحاولوا القيام بذلك بتاتا.
ويشكّل عدد المشاكل التي لم يتمّ حلّها أو التي تمّ حلّها بشكل غير عادل معًا فجوة العدالة: أي الفرق بين الطّلب على العدالة والعدالة الفعليّة التي يحصل عليها النّاس. ويمكن اعتبار عدد المشاكل الجاري حلّها بمثابة جانب الطّلب الحالي للعدالة: هذه هي المشاكل القانونية التي لا يزال الناس يحاولون إيجاد حل عادل لها.
وعليه، قامت المرحلة الثّانية من جمع البيانات، من أجل فهم تطوّر فجوة العدالة والطّلب على العدالة، بفحص الأنواع التّالية من المشاكل القانونيّة:
ومن خلال قياس الوضع الحاليّ لأنواع المشاكل الثّلاثة هذه، يمكننا تقييم قطاع العدالة في تونس بعد عام واحد من نشر تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرضا واكتساب فهم أعمق لطبيعة المشاكل القانونيّة وتطوّرها.
ما يقارب من نصف المشاكل التي تمّ الإبلاغ عنها خلال المرحلة الأولى من جمع البيانات لا تزال في طور الحلّ وقت المقابلة. ولذلك، سألنا خلال المقابلة الثّانية الأشخاص عن كيفيّة تطوّر هذه المشاكل منذ المقابلة الاولى.
وقد تبيّن أنّ الوضع الحاليّ للمشاكل الجاري حلّها مقسّم بشكل واضح إلى ثلاث حالات. ففي 32٪ من الحالات، لاحظ الأشخاص أنّ الوضع قد تحسّن. وفي 32٪ أخرى من الحالات، لا يوجد تغيير يذكر، بينما وجدنا أنّ الوضع ساء أكثر من ذي قبل في 31٪ من الحالات، ولم يتمّ تذكّر المشاكل في 4٪ من الحالات، ولكن تمّ اعتبار معظمها أقلّ خطورة في المقابلة الأولى.
وبعيدا عن كلّ مفاجأة، فقد تمّ حلّ أغلب المشاكل القانونيّة التي تمّ تقييمها على أنّها أفضل من ذي قبل. حيث تمّ بعد أكثر من عام من المقابلة الأولى، حلّ حوالي 20٪ من المشاكل المتواصلة كلّيّا وحلّ 13٪ أخرى جزئيّا. وبعبارة أخرى، فقد تمّ مع مرور الوقت حلّ أكثر من مشكلة واحدة من بين كلّ ثلاث مشاكل كانت مستمرّة، الأمر الذي ساهم في تقليص فجوة العدالة. وهذا يعني أنّ حوالي 39٪ من جميع المشاكل القانونيّة من الموجة الأولى وصلت إلى حلّ في غضون عامين، وهي علامة إيجابيّة تحسب لقطاع العدالة في تونس.
وفي المقابل، نجد أنّ حوالي 30٪ من المشاكل المتواصلة منذ المقابلة الأولى كانت لا تزال في طور الحلّ وقت المقابلة الثّانية. ما يعني أنّه حتّى بعد أكثر من عام إلى عامين، لا يزال هؤلاء الأشخاص يحاولون الوصول إلى العدالة حتّى يتمكّنوا من المضّي قدمًا في حياتهم. وهي بعض أخطر المشاكل التي يتعامل معها النّاس، والتي لها آثار سلبيّة طويلة الأمد على جوانب مختلفة من حياتهم.
وأخيرًا، نجد أنّه تمّ التّخلّي عن 32٪ من المشاكل المتواصلة منذ المقابلة الأولى، بالإضافة إلى 32٪ من المشاكل التي تمّ التّخلّي عنها بالفعل أثناء المقابلة الأولى. وهذا يعني أنّ ما يقارب من نصف (47٪) من جميع المشاكل المبلّغ عنها خلال المقابلة الأولى يتمّ التخلي عنها في النّهاية دون الوصول إلى أيّ حلّ.
وكما سبق وأن وجدنا في تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس لعام 2023، فإنّ كل الحلول التي يتلقاها الأشخاص لا تعتبر عادلة. حيث نجد أنّ حوالي 51٪ من حلول المشاكل المتواصلة من المقابلة الأولى تعتبر عادلة أو عادلة جدّا، وهي نسبة مماثلة للحلول التي تمّت مناقشتها خلال المرحلة الأولى (48٪).
سألنا النّاس في المقابلة الثّانية، كما في المقابلة الأولى، عن الخطوات التي اتّخذوها لمحاولة حلّ أكثر مشاكلهم خطورة. ووجدنا أنّ 75٪ اتّخذوا إجراءً واحدًا على الأقلّ أو أكثر لمحاولة حلّ المشاكل المتواصلة الأكثر خطورة التي تمّ تحديدها في المرحلة الأولى. كما اتّخذ حوالي 56٪ منهم منذ المقابلة الأولى إجراءً واحدًا أو أكثر (إضافيّا).
ويوضّح الرّسم البيانيّ أدناه مصادر المساعدة التي يلجأ إليها النّاس بمرور الوقت، وبالنّظر إلى المشاكل المتواصلة الأكثر خطورة من المرحلة الأولى. وقد لوحظ أنّه على الرّغم من أنّ مصادر المساعدة الأكثر شيوعًا لا تتغيّر كثيرًا بمرور الوقت، إلاّ أنّه لا تزال هناك بعض التّحوّلات المثيرة للاهتمام. ويمكن الإشارة هنا على وجه الخصوص، إلى أنّ النّاس يميلون إلى الذّهاب إلى الشّرطة في مرحلة أولى (11٪ في المقابلة الأولى مقارنة بـ 4٪ فقط في المقابلة الثّانية)، في حين أنّه من المرجّح أن يلجأ الناس أكثر إلى المحكمة عند استمرار المشكلة (4٪ في المقابلة الأولى مقارنة بـ 9٪ في المقابلة الثّانية). وعلى الرّغم من هذه الزّيادة في عدد الأشخاص الذين يذهبون إلى المحكمة عند استمرار المشاكل لفترات أطول، إلاّ أنّها تظلّ جزءًا ضئيلًا فقط من جميع المشاكل القانونيّة.
ومن المثير للانتباه أنّ عددا أكبر بكثير من النّاس تحدّثوا مباشرة إلى الطّرف الآخر في وقت لاحق (25٪ في المقابلة الأولى مقارنة بـ 37٪ في المقابلة الثّانية)، على الرّغم من أنّه كان من المتوقّع أن يكون هذا الإجراء في كثير من الأحيان الخطوة الأولى التي يجب اتّخاذها.
وبشكل عامّ، يمكن القول إنّ شبكات التّواصل الاجتماعيّ لعبت دورا مهمّا، مثلما سبق وأن أبرزه في تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرضا في تونس لعام 2023، حيث يطلب العديد من الأشخاص المساعدة من أفراد الأسرة والأصدقاء والجيران. وبعيدًا عن أفراد الأسرة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، فإنّ المصادر الأكثر شيوعًا للمساعدة هي الشّرطة والمرشدين الاجتماعيّين والمحامين والسّلطات المحليّة أو البلديّة.
سلّطت دراسة احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس لعام 2023 الضّوء على المشاكل الشّغليّة، ليس فقط باعتبارها من أكثر أنواع المشاكل شيوعًا التي يواجهها التّونسيون (خاصة الشّباب)، وإنّما أيضًا باعتبارها فئة المشاكل ذات التّأثير المرتفع نسبيّا على النّاس والتي يكون معدّل حلّها منخفضا جدّا. وفي الواقع، تمّ النّظر في 13٪ فقط من مشاكل الشّغل وقع التوصل فيها إلى حل بشكل كامل أو جزئيّ، بينما ظلّت 41٪ من المشاكل الشغلية متواصلة وتمّ التّخلّي عن 46٪ منها. وقد كانت النّسبة الأخيرة من بين أعلى فئات المشاكل. وعلاوة على ذلك، لم يكن لدى النّاس سوى فرص قليلة جدّا لكي يلجؤوا إلى مصادر مساعدة فعّالة، ذلك أنّهم اعتمدوا بشكل شبه حصريّ على أفراد الأسرة والأصدقاء.
وبعد مرور عام، لا تزال حوالي 37٪ من المشاكل الشّغلية القائمة منذ المقابلة الأولى متواصلة، ممّا يعني أنّ النّاس لا يزالون يحاولون إيجاد حلول عادلة. وبينما يتمّ حلّ حوالي 31٪ من المشاكل بشكل كامل أو جزئيّ، فإنّه يتمّ التخلي عن 32٪ من المشاكل، الأمر الذي يزيد من النّسبة المرتفعة من المشاكل الشّغلية التي لم مّ يتمّ التي لم يقع التوصل فيها أبدا إلى حل عادل .
ومن جهة أخرى، لم يتّخذ سوى عدد قليل جدّا من الأشخاص إجراءات إضافيّة منذ المقابلة الأولى. وفي المقابل اتّخذ 38٪ فقط من الأشخاص شكلا من أشكال الإجراءات، كان ذلك في المقام الأوّل من خلال التّحدّث مباشرة إلى الطّرف الآخر أو إشراك شخص من الشّبكة الاجتماعيّة (زميل، فرد من العائلة، صديق). وهذا يسلّط الضّوء على النقص الموجود مسارات عدالة ذات جدوى بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين لديهم نزاعات شغلية.
تمّ حلّ حوالي 23٪ من جميع المشاكل المبلّغ عنها في المقابلة الأولى جزئيّا أو كليّا. ومع ذلك، لم تكن كلّ الحلول متساوية. وبعد مرور أكثر من عام، حوالي 57٪ من هذه المشاكل تمّ التّوصّل إلى حلّها. وفي الوقت نفسه، عادت 30٪ من المشاكل التي تمّ حلّها في البداية إلى الظّهور مرّة أخرى في العام التّالي، ممّا أدّى إلى توسيع فجوة العدالة. ويشكّل هذا حوالي 7٪ من جميع المشاكل القانونيّة المبلّغ عنها في المقابلة الأولى. وفي المقابل، لم يعد من الممكن تذكّر حوالي 14٪ من المشاكل، وهي نسبة أعلى بكثير من المشاكل المستمرّة منذ المرحلة الأولى. وكما هو موضّح في تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس لعام 2023، وهنا يمكن تقييم المشاكل المستمرّة على أنّها أكثر خطورة من المشاكل التي وقع التّخلّي عن إيجاد حل لها والمشاكل التي تمّ التّوصّل إلى حلّها، ممّا يجعل من غير المرجّح أن ينسى النّاس أمرها.
وهذا يوضّح أنّ المشاكل القانونيّة ليست ثابتة وأنّ الحلول قد تكون مؤقّتة. وفي حين أنّ فجوة العدالة ديناميكيّة، إلاّ أنّ الطّلب الإجماليّ على العدالة يظلّ مستقرّا نسبيّا. ويساعد حلّ المشاكل القانونيّة المستمرّة في تضييق فجوة العدالة بنسبة 16٪، ولكنّ عودة ظهور المشاكل التي تم حلّها يؤدّي بدوره إلى توسيع فجوة العدالة بنسبة 7٪. وكما سنوضّح أدناه، فإنّ هذا قائم حتى قبل النّظر في المشاكل الجديدة التي ظهرت منذ المرحلة الأولى من الدّراسة.
إنّ حلّ المشاكل القانونيّة ليس سوى وجه واحد من أوجه العدالة. ومن النّاحية المثاليّة تؤدّي مثل هذه الحلول إلى نتائج إيجابيّة في حياة النّاس. وقد سألنا النّاس، فيما يتعلّق بكلّ مشكلة تمّ حلّها منذ المقابلة الأولى والتي لا تزال محلولة أثناء المقابلة الثّانية، عن النّتائج النّاجمة عن الحلّ.
يتحصل كلّ شخص تقريبًا على (92٪) نتيجة إيجابيّة واحدة أو أكثر بعد حلّ مشكلة قانونيّة. والنّتائج التي أبلغ عنها الأشخاص متنوّعة إلى حدّ ما، ولا يوجد منها ما هو خارج عن المألوف حقّا. ويرجع هذا جزئيّا إلى أنّ النّتائج التي يسعى إليها الأشخاص ويتلقّونها تعتمد على نوع المشكلة التي يواجهونها. ومع ذلك، فإنّ النّتائج الأكثر شيوعًا إمّا تتعلّق بإصلاح الوضع (إصلاح الأضرار، وتحسين العلاقات أو إصلاحها)، أو الشّعور بالأمان والسّلام (أشعر بمزيد من الأمان والطّمأنينة، وأعيش في سلام مع مجتمعي)، والوقاية المستقبليّة من المشكلة (لن تحدث المشكلة مرّة أخرى). وهي نتائج توفّر مؤشّرات مهمّة لممارسي العدالة الذين يسعون إلى مساعدة الأشخاص الذين يواجهون مشاكل قانونيّة.
يمكن القول إنّ فجوة العدالة في تونس في تغيّر مستمرّ، وذلك مع وصول المشاكل المستمرّة إلى حلّ وعودة المشاكل التي تمّ حلّها مرّة أخرى إلى الواجهة. ومن المضاعفات الأخرى التي حدثت هي نشوء مشاكل قانونيّة جديدة منذ المرحلة الأولى من الدّراسة. حيث واجه حوالي 28٪ من النّاس مشكلة قانونيّة جديدة واحدة أو أكثر بين المقابلة الأولى والمقابلة الثّانية. وفي المتوسّط، أبلغ النّاس عن 1.8 مشكلة لكلّ شخص. وهذا مشابه جدّا لنتائج المرحلة الأولى من الدّراسة (31٪ من النّاس واجهوا في المتوسّط 1.9 مشكلة).
ويعدّ الأشخاص الذين أبلغوا عن مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر خلال المقابلة الأولى الأكثر احتمالا بشكل كبير للإبلاغ عن مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر جديدة في المقابلة الثّانية (77٪ مقابل 61٪). وبعبارة أخرى، يبدو أنّ التّعرّض للمشاكل القانونيّة يزيد من خطر التّعرّض لاحقًا لمزيد من المشاكل القانونيّة الجديدة الأخرى. وقد يكون هناك تفسير آخر ألا وهو أنّ بعض الأشخاص هم أكثر عرضة من غيرهم من حيث التّعرّض للمشاكل القانونيّة.
وعلى صعيد آخر، تعدّ الاختلافات الدّيموغرافيّة هي نفسها في المقابلة الثّانية كما في المقابلة الأولى. فالرّجال، والشّباب، والأشخاص الذين لديهم مستوى تعليميّ أعلى، والأشخاص الذين لديهم موارد ماليّة أقلّ هم الأكثر إبلاغا عن مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر.
كما أنّ حوالي 23٪ من الأشخاص الذين لم يبلغوا عن مشكلة قانونيّة خلال المقابلة الأولى واجهوا مشكلة قانونيّة في العام التّالي. وهذا يعني أنّه على مدى فترة زمنيّة أطول، يواجه المزيد من الأشخاص مشاكل قانونيّة مقارنة بـ 31٪ من المشاكل مبلغ عنها في تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرضا في تونس لعام 2023. وعلى مدى المقابلتين، أبلغ حوالي 47٪ من الأشخاص عن مشكلة قانونيّة واحدة أو أكثر.
ومن جهة أخرى، يبدو من الواضح أنّ الأشخاص الذين يعانون من فئات معيّنة من المشاكل، إذا ما قسّمناهم حسب فئة المشكلة، هم على الأرجح أكثر عرضة لمواجهة مشكلة قانونيّة في العام التّالي. وعلى وجه الخصوص، فإنّ الأشخاص الذين عانوا من مشكلة متعلّقة بإنفاذ القانون، أو مشكلة عائليّة، أو مشكلة متعلّقة بالفساد، أو مشكلة استهلاك في المقابلة الأولى من الدّراسة هم أكثر عرضة للمرور بمشكلة قانونيّة (مماثلة أو مختلفة تمامًا في طبيعتها) في المقابلة الثّانية.
إنّ بعض هذه المشاكل (المتعلّقة بإنفاذ القانون، أو الفساد، أو الاستهلاك) هي فئات مشاكل خاصّة لا يستطيع الجميع تحديدها بسهولة على أنّها مشاكل قانونيّة. وعلى هذا فإنّ أحد التّفسيرات لهذا قد يكون زيادة الوعي بين هؤلاء الأشخاص بالطّبيعة القانونيّة لبعض المشاكل التي يواجهونها.
نلاحظ عند النّظر إلى فئات المشاكل الأكثر شيوعًا، أنّ هناك بعض التّغييرات بين المقابلة الأولى والمقابلة الثّانية، على الرّغم من أنّ الاتّجاهات العامّة متشابهة في الغالب. وعلى وجه الخصوص أبلغ النّاس عن مزيد من المشاكل المتعلّقة بالرّعاية الاجتماعيّة ومشاكل الأراضي في المقابلة الثّانية، في حين بلغوا عن عدد أقلّ من المشاكل بين الجيران والمشاكل الشّغليّة. ولا يمكن تفسير هذه التّغييرات بحجم العيّنة الأصغر في الموجة الثّانية من الدّراسة، ولكن قد يكون لطريقة المقابلة (عبر الهاتف بدلا من المقابلة الشّخصيّة مع استمارة تبين المشاكل القانونيّة المحتملة) بعض التّأثير.
إلى جانب ذلك، قمنا بالنّظر في مدى احتمال تعرّض الأشخاص لمشاكل قانونيّة مماثلة للمشكلة الأكثر خطورة التي واجهوها في المقابلة الأولى. وبعبارة أخرى، ما مدى احتمال تعرّض الأشخاص لمشاكل تتعلّق بالأراضي أو المشاكل مع الجيران عدّة مرّات متتالية؟ هنا تُظهر البيانات أنّ الأشخاص الذين يواجهون مشكلة في بعض الفئات الأكثر شيوعًا هم كذلك أكثر عرضة للمرور بمشكلة جديدة من نفس الفئة.
وفي نفس السّياق، يلاحظ أنّ حوالي 10٪ من الأشخاص الذين يعانون من مشكلة تتعلّق بالرّعاية الاجتماعيّة ينتهي بهم الأمر إلى مواجهة مشكلة أخرى تتعلّق بالأراضي في غضون عام. وهي نفس النّسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلة متعلّقة بالفساد. كما أن المشاكل الشغلية والمشاكل المتعلقة بالاستهلاك لديها احتمالية عالية نسبيًا في أن تؤدّي إلى مشاكل إضافيّة من نفس الفئة. وغالبًا ما يكون من الصّعب التّمييز بين ما إذا كانت هذه المشاكل جديدة تمامًا أو هي نتيجة لمشاكل قديمة، ولكن من الواضح أنّ هذه الفئات من المشاكل لديها مستوى عالٍ من “الارتباط”.
لقد تمّ بالفعل حلّ حوالي 23٪ من جميع المشاكل القانونية المبلّغ عنها في المقابلة الثّانية كلّيّا أو جزئيّا في وقت المقابلة. وهذه هي نفس النّسبة بالضّبط التي وجدناها في المرحلة الأولى من الدّراسة. ومع ذلك، نجد وأنّه بالمقارنة مع المشاكل المبلّغ عنها في المرحلة الأولى، فإنّ المشاكل المبلّغ عنها في المرحلة الثّانية يتمّ في كثير من الأحيان التخلي عنها. حيث تمّ التّخلّي على ما لا يقلّ عن 43٪ من جميع المشاكل، مقارنة بـ 32٪ في المقابلة الأولى. كما نجد أنّ حوالي 34٪ من المشاكل في المقابلة الثّانية مستمرّة، مقارنة بـ 45٪ في المقابلة الأولى. ولا ريب أنّ هذا المستوى المرتفع من المشاكل التي يتمّ إسقاطها يشكّل تحدّيا كبيرًا لنظام العدالة في تونس.
وعلى غرار ما وقع التوصل إليه بالفعل في المقابلة الأولى والمشاكل التى تواصلت و التي تمّ حلّها في المقابلة الثّانية، نجد أنّ حوالي 50٪ من جميع الحلول تعتبر عادلة أو عادلة للغاية. وهذا يشير إلى أنّ العديد من النّاس غير راضين عن النّتائج التي تحصلوا عليها، حتى وإن تمكّنوا من حلّ مشكلتهم.
ومرّة أخرى، يتمّ تقييم الغالبيّة العظمى من هذه الحلول على أنّها عادلة أو حتى عادلة للغاية. وهذا يدلّ على أنّ النّاس راضون بشكل عامّ عن الحلول التي وصلوا إليها، حتّى وإن كانت غالبيّة هذه الحلول قد تمّ التوصل اليها خارج المحاكم.
سألنا النّاس عمّا فعلوه لمحاولة حلّ المشاكل الأكثر خطورة التي أبلغوا عنها في المقابلة الثّانية. وقد وجدنا أنّ حوالي 70٪ من النّاس قد قاموا بإجراء واحد أو أكثر، وهي نفس النّسبة التي وقع التوصل إليها خلال المقابلة الأولى. كما أنّ المصادر الأكثر شيوعًا للمساعدة التي استعانوا بها كانت مشابهة جدّا لنتائج تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس لعام 2023.
وبشكل عامّ، يظلّ النّهج الأكثر شيوعا هو التّحدّث مباشرة إلى الطّرف الآخر؛ وبالمقارنة بالمرحلة الأولى، فإنّ هذه النّسبة أعلى كثيرا. وإلى جانب ذلك تلعب الشّبكات الاجتماعيّة دورا مهمّا، وخاصّة أفراد الأسرة وبدرجة أقلّ الأصدقاء والجيران. وخارج الشّبكة الاجتماعيّة الشّخصيّة، فإنّ الجهات الفاعلة الأكثر أهمّية هي الشّرطة والمحامون والمحاكم. ومن المثير للاهتمام أنّ مشاركة المحاكم زادت بشكل كبير مقارنة بنتائج المقابلة الأولى (من 4٪ إلى 10٪). كما يظلّ المرشدون الاجتماعيّون والسّلطات المحلّيّة أو البلديّة مصادر مساعدة شائعة نسبيّا.
إنّ فجوة العدالة في تونس كبيرة وديناميكيّة. حيث يتمّ حلّ العديد من المشاكل، على الرّغم من أنّ هذا يستغرق وقتًا طويلاً في بعض الأحيان، ولكنّ هذه الحلول ليست دائمة، ذلك أنّ المشاكل القانونيّة تظهر مرّة أخرى أو يواجه النّاس مشاكل مماثلة لها بعد فترة. وفي نهاية المطاف، فإنّه مع استمرار تراكم المشاكل القانونيّة، يظلّ الطّلب على العدالة في تونس ثابتا نسبيّا ويظلّ مرتفعًا.
من جهة ثانية، توصلنا من خلال تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس لعام 2023، أنّ حوالي 2.3 مليون مشكلة قانونيّة كانت متواصلة (من أصل أكثر من 5 ملايين مشكلة)، حيث لا يزال النّاس يحاولون إيجاد حلول لها. وبعد مرور عام، ظلّت حوالي 30٪ من هذه المشاكل مستمرّة. وهذا يعني أنّ ما يقارب من 700,000 مشكلة قانونيّة من المرحلة الأولى لا تزال بحاجة إلى حلّ.
وإلى جانب هذه المشاكل التي لا تزال متواصلة ولم يقع الوصول فيها إلى حلّ من خلال المقابلة الأولى، عادت حوالي 30٪ من 1.2 مليون مشكلة قانونيّة تمّ اعتبارها محلولة (أو ما يقارب من 350.000 مليون مشكلة قانونية) إلى الظّهور. ويشير الجمع بين هاتين الفئتين إلى أنّ أكثر من مليون مشكلة قانونيّة من المرحلة الأولى وبعد مرور عام لا تزال بحاجة إلى حلّ (أو بجاجة إلى حلّ من جديد).
وفي المرحلة الثّانية من جمع البيانات، واجه حوالي 28٪ من الأشخاص في المتوسّط 1.8 مشكلة قانونيّة جديدة. وهذا يعني أنّ ما يقدّر بنحو 4.4 مليون مشكلة جديدة حدثت في العام الماضي. وفي حين تمّ حلّ ما يقارب 23٪ من هذه المشاكل بسرعة، ظلّت حوالي 34٪ مستمرّة في وقت المقابلة. وهذا يعني أنّ 1.5 مليون مشكلة قانونيّة جديدة من المرحلة الثّانية لا تزال في طور الحلّ.
وفي هذا السّياق، فإنّ الجمع بين المشاكل المستمرّة من المرحلة الأولى والمرحلة الثّانية ينتج عنه ما يقدّر بنحو 2.5 مليون مشكلة قانونيّة بحاجة إلى حلّ. وبعبارة أخرى، فإنّ الطّلب على العدالة في تونس مستقرّ نسبيّا بمرور الوقت، ويظلّ مرتفعًا جدّا باستمرار. وفي الوقت نفسه، تمّ إسقاط ما مجموعه 4.3 مليون مشكلة قانونيّة بين المقابلتين الأولى والثّانية، بينما لم يتمّ حلّ سوى 2.5 مليون مشكلة.
ويوضّح الرّسم البيانيّ أدناه تطوّر فجوة العدالة بمرور الوقت. ذلك أنّه مع استمرار المشاكل القديمة أو ظهورها من جديد، تظهر أيضًا مشاكل قانونيّة جديدة في الأثناء. والنّتيجة هي تراكم المشاكل القانونيّة المستمرّة والطّلب المرتفع باستمرار على العدالة، ولكن مع مستوى أعلى من المشاكل التي يتمّ التخلي عنها. وعليه، يمكن القول إنّ نظام العدالة في تونس يواجه تحدّيًا كبيرًا يتمثّل في ضمان تمكّن النّاس من حلّ مشاكلهم القانونيّة والمضيّ قدمًا في حياتهم.
يبدو، ومثلما أبرزه سلفا تقرير احتياجات العدالة ودرجة الرّضا في تونس لعام 2023، أنّ هناك فجوة في خدمات العدالة المتاحة التي تعالج المشاكل القانونيّة التي يواجهها النّاس. فإلى جانب نظام العدالة الرّسميّ والسّلطات المحلّية والأخصائيّين الاجتماعيّين (بالنّسبة لفئات مشاكل محدّدة)، هناك عدد قليل نسبيّا من مقدّمي خدمات العدالة الذين يمكن تحمّل تكاليفهم والذين يمكن للنّاس الوصول إليهم.
ومن جهة أخرى، يبدو أنّ دعم مقدّمي خدمات العدالة المبتكرين سيكون خطوة أولى حاسمة لمعالجة العدد الكبير من المشاكل القانونيّة التي يتمّ التخلي عنها. حيث لا تحتاج مثل تلك الخدمات المبتكرة إلى التّنافس مع نظام العدالة الرّسميّ، بل إنّها ستكمّله، مع إمكانات قويّة للتّعاون بين الجهات الفاعلة في القطاعين الخاصّ والعامّ.
وفي الخلاصة، يمكن القول إنّ نظام العدالة الحاليّ غير قادر على تلبية احتياجات الكثير من التّونسيّين. ولذلك، من المهمّ، من أجل توفير وصول النّاس إلى العدالة بشكل هادف، الاستثمار في البدائل التي تقدمها العدالة المتمحورة حول النّاس.
Table of Contents
The Justice Dashboard is powered by HiiL. We deliver user-friendly justice. For information about our work, please visit www.hiil.org
The Hague Institute for
Innovation of Law
Tel: +31 70 762 0700
E-mail: info@hiil.org